Thursday, July 23, 2009

سامي الجميّل، من بين كل «الأولاد»...

من بين كل «الأبناء» الوافدين إلى مقاعد الوراثة، وحده سامي الجميّل يستحق التوقف والتأمل والمتابعة. ربما لأنه بدايةً، ليس مجرد وريث محض. فهو «لملم» بعض نجومه، من أرض المعارك. شرسة كانت أو ليّنة. جدية، أو شكليّة. ولم يكتفِ منذ إطلالته على «القضية» بمجرد اسم العائلة، وهاجس تكريس الاسم الأول، و«تحفيظه» للمبايعين.
أيام الجامعة، كان حاضراً دوماً في الميدان، مع أن أترابه دأبوا على اتهامه بالتحايل والتذاكي، لـ«قطف الصورة». ويروون في هذا السياق دعابات وطُرفاً، قد لا تخلو من وقائع، لكنها لا تخلو أيضاً من حسد النجاح، أو غيرته.

لكن رغم تلك الروايات والاتهامات، أثبت سامي منذ تلك الأيام، هويته المشاكسة. حتى أقدم مرة مع رفاقه على إحراق العلم السوري زمن الوصاية. يومها نقلت الشاشات العالمية الحدث، فوصلت رسالة «رسمية» إلى والده، بأنّ «الولد» قد تخطى الخط الأحمر، وهو الخط الذي عرف الوالد والشقيق الأكبر كيف يحاذرانه، تجنّباً لدم لم يتأخّر.
بعد عام 2005 وزلازله وانتصاراته، أحسّ سامي بالخيبة الأولى، مثله مثل كل أبناء الجيل المسيحي لـ14 آذار، أولئك الذين قاوموا الوصاية ورموزها، ليجدوا أنفسهم فجأة بين خيارين: إمّا التحالف مع أيتام أبو يعرب، وإمّا التحالف مع أيتام أبو عبده. استدخل سامي خيبته، ولم يترك ثمّة مناسبة حزن عائلي. فجاء ميشال المر إلى كنيسة آل الجميّل معزياً، فوجد سامي له بالمرصاد. حاول الابن الثاني لصديق أبو الياس محاورته، على طريقة الشباب، ومساءلته عن دوره في الاحتلال والفساد والظلم والعهر والنهب... هرب المر. لحق به سامي إلى سيارته، ضرب على هيكلها، طالباً من المختبئ خلف الأسودين، الزجاج ونظارتيه، الخروج ومواجهة الحقيقة.

في بنشعي تحدث سامي عن الحريري وجعجع، ثم طلب موعداً من حزب اللهبعدها بقليل، كانت مفاوضات «المصالحة الكتائبية» قد بلغت شوطاً متقدماً، ما فرض حصول أول زيارة لكريم بقرادوني إلى بكفيا. وصل «رئيس حزب الجدّ» إلى البيت العتيق أول العشية. كان يتفكّر في وسيلة لكسر الجليد مع «الرئيس الابن الوريث»، بعد أعوام من التشاتم العنيف. عند السنديانة الكبيرة، كان ثمّة شاب يضع حقيبة ظهر، ويخرج من البيت غاضباً، ضارباً بوابة الحديد بعنف، احتجاجاً على قدوم الزائر. سأل كريم بقرادوني الجميّل الأب بحركة من اليدين والعينين عن هوية الغاضب وسبب غضبه. قال أمين: هيدا سامي... وسقط جليد الرجلين.

لكن جليد الخيبة تراكم لدى «الابن غير الضال»، فذهب إلى «حلف لبناننا». و«حلف» اختصار لمبدأ «حلف لبنان الفدرالي». في مدرسة اليسوعية ـــــ السيوفي، حيث أطلق سامي حركته، كان جمع من رفاق عمه بشير، وكان بعضهم يسرّ همساً: «المهم ما يتغيّر بس يوصل». حتى إن أحدهم من الحرس القديم، كان يردد أنه قالها له جهراً، في إشارة إلى المشوار الفكري نفسه الذي مشاه بشير، بين أنطوان نجم... وفيليب حبيب.
دارت الأيام دورتها، وكانت عنيفة مأساوية مجرمة على آل الجميّل، قبل أن يصل سامي. بعدها بدأ الامتحان، وبدأ سريعاً وصعباً. في الحزب، قيل إن ورشة تفاوض عنيف جرت بين جيلين وفكرين ومشروعين وسلوكين، قبل أن تنتهي الورشة إلى تسوية في السياسة والتنظيم والأشخاص. تسوية كانت كافية ليثبت سامي مرجعيته الحزبية، وليصير نائباً بالتحالف مع ميشال المر، ومع سمير جعجع. انقلب على نفسه؟ بل هو نضوج الواقعية والبراغماتية والجميّلية، ربما. لكن المهم أنه بعد النيابة فتح سامي كل الخطوط، إلا خطه الخلوي، كما يردد الصحافيون. ذهب إلى بنشعي، حيث تحدث طويلاً عن الحريري وجعجع، فأعجَب وأعجِب. اتصل بالتيار وأجرى أكثر من لقاء بلا إعلام ولا ضجيج... ولا نتيجة حتى اللحظة. وحتى اتصل بحزب الله، كما تردد، طالباً اللقاء والحوار والنقاش، وطالباً تحديد موعد ومستوى للبحث، ولم يأتِ الجواب بعد، في ظل مواقف إعلامية كتائبية على أعلى المستويات، توحي برفض الحوار.

ماذا يفعل هذا الجميّل الجديد؟ سؤال يطرحه المعنيون. حركة استعراضية؟ تعبئة فراغ؟ وطاقة الشباب ودينامية الجدد؟ تقليد جميّليّ وكتائبي يخفي لعبة سلطة؟ التساؤلات كثيرة، لأن المشروع غائب والحركة حاضرة. ولأن سامي ـــــ مقارنة بالأولاد الآخرين ـــــ يبدو من طينة أخرى، قادرة على النضوج، وقابلة لمشروع، ومستحقة للرصد والمتابعة

No comments:

Post a Comment